فالملائكة أقسام كثيرة فمنهم الملائكة "السماويون"، ومنهم "الأرضيون"، ومنهم "الصافون"، و"المسبحون"، كما أن منهم "المدبرون" الذين يدبرون الأمر من السماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء، وجرى به القلم الإلهى. وقد أشار الله تعالى إليهم في آيات كثيرة، فقال تعالى: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [الصافات:165-166]، وقال كذلك: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا* فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) [ النازعات:1-5]. وفي الأثر: إن ملائكة الله تعالى طوائف شتى: منهم الموكلون بتدبير الكائنات، ومنهم الموكلون بقبض الأرواح، وفريق منهم يكتب الحسنات والسيئات، وآخر يقوم بتنمية النباتات.
وقد غصت بهم صفحات السماء، ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد (20539) والترمذي (2312) وابن ماجة (4190) من حديث أبى ذر الغفاري رضى الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحق لها أن تئطّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفراش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى " .
ولا يعلم أحد إلا الله ما يُكلَّف به الملائكة من أعمال، وما يوكل إليهم من أمور، فمنهم من يحمل العرش، ومنهم الكروبيون، والمقربون الهائمون في جلال الله المستغرقون في التسبيح والتحميد والتهليل (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) ومنهم من يقوم بتنفيذ أوامر الله في العباد، وقد وصفهم الله - سبحانه وتعالى- بقوله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، ومنهم السياحون الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام" أخرجه أحمد (3484)، والنسائي (1282). وهم يستغفرون لمن في الأرض، ويرجون رحمة الله أن تتغمدهم، ويدعون لهم بالوقاية من المعاصي والذنوب، والنجاة من الخطايا والآثام. قال تعالى: (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ) [الشورى:5]. كما أمرهم الله تعالى بحفظ عباده: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُمِنْ أَمْرِ اللّهِ) [الرعد:11]
والملائكة بجميع أقسامهم عباد مكرمون، وهم ليسوا ذكوراً ولا إناثاً، ولا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينامون، ولا يتناسلون، ولا يكتب لهم عمل، لأنهم هم الذين يكتبون أعمال العباد، فهم لا يحاسبون؛ إذ ليس لهم سيئات يسألون عنها، فلقد عصمهم الله تعالى.
ولا يعرف عدد الملائكة إلا الله (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر:31]، وهم من الكثرة الهائلة بقدر ما يقومون به من أعمال جليلة وكثيرة لا حصر لها: من عبادة وتسبيح وتهليل وتحميد واستغفار وتمجيد، فضلا عما يكلفون به من تنفيذ أوامر الخالق -جل وعلا- في الحفاظ على مخلوقاته، ومعاونة الإنسان في الأرض، وتسهيل قضاء الله فيما أبدعه من أكوان، وتصريف شئون السماء والأرض- وفق حكمته وما قضت به مشيئته: (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). فإذاً من شئون الملائكة أن يحفظوا المؤمنين من السوء، ويعاونوهم على أمور دنياهم، ويستغفروا لهم من السيئات.
والله أعلم.